السيرة النبوية الاديان السماوية فى شبة الجزيرة العربية والحنفاء من العرب
الحنفاء من العرب(1) :-
من هؤلاء الرجال قس بن ساعدة الإيادي،وورقة بن نوفل،وزيد بن عمرو بن نفيل،وعثمان بن الحويرث،وعبيد الله بن جحش،وأمية بن أبى الصلت ،كان هؤلاء الرجال يتمتعون بفطرة سلينة،ويروي أن أربعة منهم وهم :زيد بن عمرو بن تفيل ، وورقة بن نوفل، وعبيدالله بن جحش،وعثمان بن الحويرث،اجتمعوا يومآ فقال بعضهم لبعض:《والله ما قومنا على شىء، أخطأوا دين إبرتهيم،ما حجر نظيف به لا يضر ولا ينفع،ولا يسمع ولت يبصر،التمسوا لأنفسكم دينآ غير هذا الدين》هذا الموقف يصور الحالة النفسية التى كان عليها هؤلاء ،فهم لا يرتاحون لعبادة الأصنام ،وفى نفس الوقت لا يعرفون الطريق السليم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، كما عبر عن ذلك زيد بن عمرو بن نفيل عندما كان يناجى ربه قائلا:《يا رب لو أنى أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به ولكن لا أعلم 》
وبعض هؤلاء حاول الخروج من حيرته فاعتنق المسيحية ،وهو ورقة بن نوفل .ومن مات منهم وهو لا يشرك بالله شيئا ولا يعبد الأصنام فإنه يعتبر قد مات مسلمآ مثل قس بن ساعدة الأيادى .
فيروى أنه عندما جاء قبيلة إياد إلى النبى صلى الله عليه وسلم قال لهم :《ما فعل قس بن ساعدة الأيادى 》قالوا :هلك ،اى مات . قال النبى: 《أما أنى سمعت عنه كلامآ ما أرى أنى أحفظه》فقال بعضهم:نحن نحفظه_فقال النبى :《هاتوا》أى أسمعونى،فقال قائلهم :《وقف قس بن ساعدة فى سوق عكاظ فقال:أيها الناس استمعوا واسمعوا وعوا ،كل من عاش مات ،وكل من مات فات ،وكل ما هو آت آت ،ليل داج وسماء ذات أبراج ،ونجوم تزهر وبحار تزخر،وجبال مرساة،وأنهار مجراة ، إن فى السماء لخبرآ،وان فى الارض لعبرا،أرى الناس يمرون ولا يرجعون ،أرهقوا باﻻقامة فأقاموا،اك تركوا فناموا》.
ثم أنشأ الرجل يقول :-《اقسم قس بالله لا أثم فيه، إن لله تعالى دينا هو أرضى مما انتم فيه》. فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكلام اقبل على الوفد وقال :《هل وجد لقس بن ساعدة وصية؟》فقالوا :نعم .وجدنا له صحيفة تحت رأسه مكتوب فيها:
ياناعى الموت والاموات فى جدس
عليهم من بقايا ثوبهم خرق
دعهم فإن لهم يومآ يصاح بهم
كما ينبه من نوماته الصعق
منهم عراة وموتى فى ثيابهم
منها الجديد ومنها الأورق الخلق
فقال النبى صلى الله عليه وسلم بعد سماع هذه الابيات :《والذى بعثنى بالحق لقد آمن قس بالبعث》
الاديان السماوية فى شبه الجزيرة العربية :-
المقصود بالاديان السماوية هنا ،اليهودية والمسيحية ،وكلتا الديانتين نشأت فى فلسطين من أرض الشام ،وفلسطين من أقرب البلاد لشبه الجزيرة العربية ،فكان من الطبيعى ان تتسرب هاتان الديانتان إلى بلاد العرب وقد حدث هذا فعلآ(2).
إلا أنهما كانتا قليلتى الانتشار ،الأمر الذى يبدو غريبآ
إذ كيف يبقى العرب على عبادة الاصنام مع وجود هذه الاديان السماوية فيما بينهم؟ ولكن المرجح أن ذلك يرجع إلى اليهودية والمسيحية أكثر من كونه يرجع إلى العرب أنفسهم ،فالديانة اليهودية تعتبر ديانة مغلقة،واليهود يعتبرونها ديانتهم الخاصة التى لا ينبغى ان يشاركهم فيها أحد سواهم من البشر ،فهم
شعب الله المختار حسب زعمهم الباطل ،وديانتهم لهم وحدهم،وكانوا يعتبرون ذلك أمتياز خاصآ بهم ،لذلك لم يرحبوا بأعتناق غيرهم لدينهم ولم يتحمسوا لذلك،إذلو تحمس اليهود فى الدعوة لدينهم لكان من المحتمل ان نجد لها أتباعآ كثيرين فى بلاد العرب ،خصوصآ يثرب .ولكننا للأسباب التى ذكرناها وجدنا إحجامآ عن اعتناق اليهودية ،خصوصآ من عرب يثرب الذين كانوا يخالطون اليهود ويعيشون معهم هذا بالنسبة لليهودية .
أما بالنسبة للمسيحية فهى كذلك لم تنتشر على نطاق واسع فى بلاد العرب ولأسباب تختلف عن أسباب عدم انتشار اليهودية . فالمسيحية ديانة مفتوحة بلاشك للناس جميعآ،ودعاتها من أنشط دعاة الاديان السماوية فى جذب الناس إليها ،وترغيبهم فيها،ولكنها عندما وصلت إلى بلاد العرب كانت قد وصلت إلى درجة من الخلافات والتعقيدات اللاهوتية التى استصعت على الفهم ،فقد أغرقت المسيحية نفسها فى خلافات كثيرة وجدل عقيم حول علاقة المسيح عليه السلام بالله سبحانه وتعالى ،وهل المسيح إله؟او ابن إله؟وهل الله واحد فى ثلاثة ؟أو ثلاثة فى واحد؟خلافات معقدة وصعبة ولا يسيغ فهمها إلا كبار التخصصين فى علم اللاهوت،الذين وقفوا حياتهم لشرح وتفسير هذه المعميات والطلاسم ،لذلك لم يستسغ العرب فهم هذه العقيدة المركبة،والشأن فى العقائد الدينية أن تقدم لعامة الناس بسيطة وسهلة حتى تفهمها عقولهم وتؤمن بها قلوبهم .
1)انظر:سيرة ابن هشام ج1 ص242 وما بعدها ،وعيون الأثر لابن سيد الناس ج1 ص83.
2)ذكرنا من قبل قصة الملك الحميرى ذى نواس واعتناقه لليهوظية وتفضيله لها وتنكيله بنصارى نجران ،مما يدل على وجود الديانتين ببلاد العرب .