مصادر تاريخ العرب قبل الاسلام
الحلقة الخامسة
كيفما كان الأمر فيما يتعلق بتاريخ العرب قبل الاسلام من بدايته إلى
ظهور الاسلام وإهمال مؤرخي الاسلام له ,أو تجافيهم عنه , للأسباب التي سبق ذكرها , فعلى الباحثين المحدثين أن يسدوا هذا النقص , كل في مجال تخصصه , لا سيما بعد أن عرفنا عن تاريخ العرب القديم , ما لم يكن يعرف القدماء , ما كشفت عنه الحفريات الأثرية من نقوش وكتابات, ومنشآت عمرانية كثيرة , وتعددت مصادر ذلك التاريخ الآن وأهمها بطبيعة الحال:
القرآن الكريم : يقول الدكتور جواد على : « الحق أننا إذا أردنا البحث
عن مورد يصور لنا أحوال الحياة الجاهلية ؛ ويتحدث لنا عن تفكير أهل الحجاز عند ظهور الإسلام , فلا بد لنا من الرجوع إلى القرآن الكريم , ولا بد من تقديمه على سائر المراجع الإسلامية , وهو فوقها بالطبع , ولا أريد أن أدخله فيها , لأنه كتاب مقدس , ولم ينزل كتابا في التاريخ أواللغة أو ما شاكل ذلك ؛ ولكنه نزل ,كتابا عربيا , لغته هي اللغة العربية التي كان يتكلم بها أهل الحجاز , وقد خاطب قوما نتحدث عنهم في هذا الكتاب , فوصف حالتهم وتفكيرهم وعقائدهم , ونصحهم وذكرهم بالأمم والشعوب العربية الخالية وطلب منهم ترك ما هم عليه , وتطرق إلى ذكر تجارتهم وسياساتهم وغير ذلك , وقد مثلهم أناسا كانت لهم صلات بالعالم الخارجي , وإطلاع على أحوال من كان حولهم, وفيه تفنيد لكثير من الآراء المغلوطة التي نجدها في المصادر العربية الإسلامية , فهو مرآة صافية للعصر الجاهلي , وهو كتاب صدق , لا سبيل إلى الشك في صحة نصه . وفي القرآن الكريم ذكر لبعض أصنام أهل الحجاز ؛وذكر لجدلهم مع الرسول في الاسلام … ووقوفهم على تيارات السياسة العالمية , وانقسام الدول إلى معسكرين … وفي كل ما ورد فيه دليل على أن صورة الاخباريين التي رسموها للجاهلية لم تكن صورة صحيحة متقنة , وأن ما
زعموه من عزلة جزيرة العرب , وجهل العرب وهمجيتهم في الجاهلية
الجهلاء ,كان زعما لا يؤيده القرآن الكريم الذي خالف كثيرا مما ذهبوا إليه»(1)
وبعد القرآن الكريم تأتي :-
أولا : الدراسات الاسلامية , مثل مؤلفات الاخباريين وكتاب السير
وعلماء التفسير والحديث والفقه , والرحالة والجغرافيين , وتتبعهم لأصول
ومنابت الآمة العربية.
ولا ننس كتب الأدب , شعره ونثره , خاصة الشعر, الذي هو ديوان العرب , وسجل حياتهم.
ثانيا : الدراسات العبرانية, التوراة وأسفارها , ونسختا التلمود
الأورشيليمية والبابلية »؛ وكتابات المؤرخ اليهودي يوسف فيلافيوس
خاصة في الفترة التي انقضت بين التوراة والتلمود , وقد سبق أن ذكرنا أن كثيرين من المؤرخين المسلمين أخذوا كثيراً عن هذه المصادر اليهودية.
ثالثاً : الدراست الكلاسيكية ء المستمدة من كتابات المؤرخين الأغريق, الأقدمين , وفي مقدمتهم هيرودوت 485 – 435ق . م وديودور الصقلي وسترابو34_63″ ق.م.
رابعاً : المؤلفات الحديثة , الأجنبية منها أو العربية أو المعربة , ومن
أهمها المفصل فى تاريخ العرب , للدكتور جواد علي و” أرض القرآن
للسيد سليمان الندوي , و التاريخ الجغرافي للقرآن , للسيد مظفر الدين
الندوي.
خامساً : تقارير الكشوف والحفريات الأثرية » التي دونها الرحالة
الأجانب » الذين قاموا بزيارة شبه جزيرة العرب اعتباراً من نهاية القرن الخامس عشر الميلادي, حيث كانت المغامرة وحب كشف المجهول هو طابع تلك الفترة.
سادساً المصادر المسيحية , والكتابات التي أرخت لانتشار المسيحية
في بلاد العرب , ومن أشهرها مؤلفات بوسيبيوس 349- 264م الذي كان
واحداً من آباء الكنيسة البارزين في عصره , وأول مؤرخ كنسي يعتد به ,حتى لقبوه بأبى الكنيسة , وب (( هيرودوت النصارى )), وكان مولده في فلسطين .وكان على صلة بالأمبراطور قسطنطين الكبير306_337م , وبكبار رجال الكنيسة والدولة , وقد مكنته تلك الصلة من معرفة الكثير من الأسرار-
والاطلاع على المخطوطات والوثائق الثمينة , والإفادة منها في مؤلفاته التاريخية,ثم هناك بروكوبيوس المتوفي سنة563م, الذي يعد المؤرخ الكنسي لعهد الآمبراطور جستنيان 527_565م المليء بالأحداث , وما جعل مادته التاريخية موضع ثقة ؛ أن بعضها مستقي من الروايات الشفهية , وأغلبها نتيجة معلوماته الشخصية , هذا إضافة إلى ما جاء بشأن العرب في المخطوطات السريانية والمحفوظة فى المتحف البريطاني وكتابات المؤرخين النصارى خاصة السريان الذين عاشوا فى عهود الأمويين والعباسيين » وكتبوا عن العرب فى الجاهلية والإسلام , والتي أمدتنا بمعلومات كثيرة – لا نجدها في المصادر الإسلامية خاصة عن انتشار المسيحية فى بلاد العرب ,وعن علاقة العرب بكل من الفرس والروم.
________________________________________________________________________________________________________________
(1)المفصل فى تاريخ العرب قبل الاسلام ج1 ص66_67
(2)د .جواد العلي ,المرجع السابق ج1 ص65
2 Responses