مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ
On the authority of Abu Hurayrah (may Allah be pleased with him) from the Prophet (ﷺ), who said:A prayer performed by someone who has not recited the Essence of the Quran (1) during it is deficient (and he repeated the word three times), incomplete. Someone said to Abu Hurayrah: [Even though] we are behind the imam? (2) He said: Recite it to yourself, for I have heard the Prophet (may the blessings and peace of Allah be up on him) say: Allah (mighty and sublime be He), had said: I have divided prayer between Myself and My servant into two halves, and My servant shall have what he has asked for. When the servant says: Al-hamdu lillahi rabbi l-alamin (3), Allah (mighty and sublime be He) says: My servant has praised Me. And when he says: Ar-rahmani r-rahim (4), Allah (mighty and sublime be He) says: My servant has extolled Me, and when he says: Maliki yawmi d-din (5), Allah says: My servant has glorified Me – and on one occasion He said: My servant has submitted to My power. And when he says: Iyyaka na budu wa iyyaka nasta in (6), He says: This is between Me and My servant, and My servant shall have what he has asked for. And when he says: Ihdina s-sirata l- mustaqim, siratal ladhina an amta alayhim ghayril-maghdubi alayhim wa la d-dallin (7), He says: This is for My servant, and My servant shall have what he has asked for. (1) Surat al-Fatihah, the first surah (chapter) of the Qur’an. (2) i.e. standing behind the imam (leader) listening to him reciting al-Fatihah. (3) “Praise be to Allah, Lord of the Worlds.” (4) “The Merciful, the Compassionate”. (5) “Master of the Day of Judgement”. (6) “It is You we worship and it is You we ask for help”. (7) “Guide us to the straight path, the path of those upon whom You have bestowed favors, not of those against whom You are angry, nor of those who are astray”. It was related by Muslim (also by Malik, at-Tirmidhi, Abu-Dawud, an-Nasa’i and Ibn Majah)
.عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، فَهِيَ خِدَاجٌ(1) ثَلَاثًا، غَيْرَ تَمَامٍ، فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ، فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ:{ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ:{ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ:{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } قَالَ اللَّهُ: مَجَّدَنِي عَبْدِي – وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ:{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ:{ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ”.
رواه مسلم (وكذلك مالك والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه)
الشرح
شرح ألفاظ الأحاديث:
” لاَ صَلاَةَ “: النفي هنا نفي للصحة على الصحيح – أي لا صلاة مجزئة، فالنفي للإجزاء وهو مذهب مالك والشافعي والجمهور وبه قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله [انظر المفهم (2/ 24)، والممتع (3/ 297)]، ويؤيد هذا لفظ الحديث عند الدارقطني:” لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها الرجل بفاتحة الكتاب”، وقال الدارقطني” هذا إسناد صحيح” (1/ 321) وهذا لفظ زياد بن أبي أيوب انفرد به عن بقية الرواة عن سفيان بن عيينة بلفظ ” لا تجزئ”، قال ابن عبد الهادي” وقد صحح الحديث ابن القطان، وقال: زياد أحد الثقات” [التنقيح (2/ 837)].
ويؤيده أيضاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند ابن حبان (5/ 91-96) بلفظ ” لا تجزئ “.
” لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ “: أي للذي لم يقرأ، و” مَن ” اسم موصول، وهو من صيغ العموم فيشمل من حيث الأصل الإمام والمأموم والمنفرد.
” بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ”: سميت بذلك؛ لأن القرآن افتتح بها، ولأن القراءة في الصلاة تفتتح بها.
وسميت ” أم القرآن ” لأن المرجع للشيء يسمى ” أمّاً” والفاتحة تشتمل على مجمل معاني القرآن من التوحيد، والثناء على الله تعالى بما هو أهله، والتعبد بالأمر والنهي، والوعد والوعيد.
” فَصَاعِداً “: أي فزائداً، فيكون المعنى لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب وما بعدها، وهي لفظة انفرد بها مسلم عن البخاري، وحكم عليها بعض العلماء بالشذوذ.
قال القرطبي رحمه الله:” ويلزم من ظاهر هذا اللفظ أن تكون الزيادة على أم القرآن واجبة، ولا قائل أعلمه يقول بوجوب زيادة السورة على أم القرآن، وإنما الخلاف في وجوب أم القرآن خاصة” [المفهم (2/ 25)].
” فَهِيَ خِدَاجٌ “: أي نقصان، فهي صلاة ناقصة، ولذا فسرها الراوي بقوله ” غير تمام “.
” اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ “: أي اقرأها سراً بحيث تسمع نفسك.
” قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ “: قال النووي رحمه اله:” قال العلماء: المراد بالصلاة هنا الفاتحة، سميت بذلك لأنها لا تصح إلا بها كقوله صلى الله عليه وسلم:” الحج عرفة ” ففيه دليل على وجوبها بعينها في الصلاة، قال العلماء: والمراد قسمتها من جهة المعنى؛ لأن نصفها الأول تحميد لله تعالى، وتمجيد، وثناء عليه، وتفويض إليه، والنصف الثاني سؤال وطلب وتضرع وافتقار” [شرح مسلم (4/ 324)] وليس المراد قسمة الكلمات، لأن الشطر الأخير يزيد على الأول من جهة الألفاظ والحروف.
” وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي “: وفي رواية:”وربما قال: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي”، قال القرطبي:” أي يقول هذا، ويقول هذا، غير أن فوض أقل ما يقوله، وليس شكاً” [المفهم (2/ 27)].
” هٰذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي “: يعني من العبد العبادة، ومن الله تعالى العون، ذكره ابن العربي.[ أحكام القرآن (1/ 5)].
” فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْمَعْنَاكُمْ. وَمَا أَخْفَىٰ مِنَّا أَخْفَيْنَا مِنْكُمْ “: أي ما جهر به بالقراءة جهرنا به، وما أسَّر به أسررنا به.
” وَإِنِ انْتَهَيْتَ إِلَيْهَا أَجْزَأَتْ عَنْكَ “: أي إن اكتفيت بالفاتحة صح ذلك منك وأجزأتك صلاتك.
من فوائد الأحاديث:
الفائدة الأولى: الأحاديث نص في مشروعية قراءة الفاتحة في الصلاة وبيان حكمها، واتفق الأئمة الأربعة على وجوب قراءة الفاتحة على الإمام والمنفرد، وأن الصلاة لا تصح بدونها، إلا عند أبي حنيفة ورواية الإمام أحمد بأن الفاتحة لا تلزم، فلو قرأ غيرها من القرآن أجزأ، لعموم قوله تعالى: ﴿ فَاقرَءوا ما تَيَسَّرَ مِنَ القُرآنِ ﴾ [سورة المزمل: 20]، ولحديث المسيء في صلاته المتفق عليه وفيه” ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن”[ انظر الإفصاح (1/ 128)، والإنصاف (2/ 112)].
وأجاب الجمهور بأن الأحاديث الدالة على تعيين الفاتحة نص في فرضيتها، وهي تخصص عموم ما استدلوا به ثم اختلف الجمهور في حكم قراءة المأموم للفاتحة خلف إمامه على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة السرية والجهرية، وهذا قول عبادة بن الصامت وابن عباس y، والأوزاعي والليث، وبه قال الشافعي وعليه أكثر أصحابه، واختاره النووي وقال:” وبه قال أكثر العلماء” والصنعاني، والشيخان ابن باز وابن عثيمين. [المجموع (3/ 311،307 )، شرح النووي لمسلم (4/ 323)، وسبل السلام (1/ 331)، وفتاوى ابن باز (21/ 218)، والممتع (3/ 296)].
واستدلوا: (1) بحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه في الباب، قال النبي صلى الله عليه وسلم:” لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب” متفق عليه، ولفظ الدارقطني كما تقدم” لا تجزئ صلاة…” وهذا عامٌ لكل مصل سواءً كان إماماً أو منفرداً أو مأموماً، فيبقى على عمومه إذ لا دليل يخرج المأموم من العموم.
(2) حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الباب قال النبي صلى الله عليه وسلم:” مَنْ صَلَّى صَلاَةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ ” فَقِيلَ لأَبِي هُرَيْرَةَ: إِنَّا نَكُونَ وَرَاءَ الإِمَامِ. فَقَالَ: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ” رواه مسلم.
(3) حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال:” كنا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فثقلت عليه القراءة، فلما فرغ قال:” لعلكم تقرأون خلف إمامكم” قلنا: نعم، هذا يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم:” لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها” رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال:” حديث حسن” وقال الدارقطني (1/ 318): ” إسناده حسن” وقال الخطابي: إسناده جيّد لا طعن فيه” [معالم السنن (1/ 390)].
وأعلَّ هذا الحديث بعلل منها: أن في سنده محمد بن إسحاق مدلس وقد عنعنه، وأجيب عن هذه العلة بأنه صرح بالسماع في رواية أحمد والبيهقي، ثم إنه لم ينفرد به، فقد تابعه في الرواية عن مكحول زيد بن واقد القرشي كما عند أبي داود والدارقطني.
قال الخطابي:” هذا الحديث نص بأن قراءة فاتحة الكتاب واجبة على من صلى خلف الإمام سواء جهر الإمام بالقراءة أو خافت بها، وإسناده جيد لا طعن فيه” [معالم السنن (1/ 390)].
وقال المباركفوري:” الأمر كما قال الخطابي، لاشك أن هذا الحديث نص صريح بأن قراءة فاتحة الكتاب واجبة على من صلى خلف الإمام في جميع الصلوات سرية كانت أو جهرية، وهذا القول الراجح المنصور عندي”[ تحفة الأحوذي (2/ 227)].
والقول الثاني: وجوب القراءة على المأموم في السرية دون الجهرية، وهذا قول مالك، والشافعي في القديم، والإمام أحمد في رواية عنه، ورجحه بعض الحنفية، وبه قال سعيد بن المسيب، وابن شهاب، وابن المبارك، وإسحاق وابن تيمية والسعدي رحمهم الله جميعا. [انظر الموطأ (1/ 86)، والمجموع (3/ 364)، والإنصاف (2/ 228)، والتمهيد (11/ 28)، والفتاوى (22/ 294) والمختارات الجلية (ص 53)].
واستدلوا: (1) بقوله تعالى: ﴿ وَإِذا قُرِئَ القُرآنُ فَاستَمِعوا لَهُ وَأَنصِتوا لَعَلَّكُم تُرحَمونَ ﴾ [سورة الأعراف:204]
ووجه الدلالة: أن الله تعالى أمر بالاستماع، والإنصات عند قراءة القرآن، فدل على أن المأموم لا يقرأ إذا جهر إمامه، وقال الإمام أحمد رحمه الله:” أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة” [المغني (1/ 330)].
(2) حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا”. رواه أبو دواد والنسائي وابن ماجه.
(3) حديث أبي موسى رضي الله عنه قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبين لنا سنتنا وعلمنا صلاتنا فقال:” إذا صليتم فأقيموا الصلاة ثم ليؤمكم أحدكم فإذا كبر فكبروا وإذا قرأ فأنصتوا” رواه مسلم.
(4) حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: “هل قرأ معي أحد منكم آنفاً؟”فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال:” إني أقول مالي أنازَع القرآن؟” قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جهر فيه صلى الله عليه وسلم بالقراءة من الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم ” رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، وذكر أبو داود وغيره: أن قوله ” فانتهى الناس…” مدرج من كلام الزهري، والحديث متكلم فيه لأنه من رواية أُكيمة الليثي، وعليه يدور الحديث في جميع رواياته، وهو مختلف فيه.
(5) تعليل: قالوا إذا ألزمنا المأموم بالقراءة فما الفائدة من قراءة الإمام.
والقول الثالث: وجوب السكوت على المأموم في الجهرية والسرية، فلا يقرأ خلف إمامه مطلقاً، وهو قول الحنفية.[ انظر إتمام الكلام (ص 71)].
واستدلوا: بحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة” رواه أحمد وابن ماجه وهو مروي عن عدد من الصحابة y، وهو حديث ضعيف، قال عنه البخاري:” هذا خبر لم يثبت عند أهل العلم لإرساله وانقطاعه” [انظر جزء القراءة خلف الإمام للبخاري ص 21].
وقال ابن كثير رحمه الله:” في إسناده ضعف وقد روي من طرق ولا يصح شيء منها عن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم” [تفسير ابن كثير (1/ 27)].
وقال ابن حجر رحمه الله:” له طرق عن جماعة من الصحابة وكلها معلولة” [التلخيص (1/ 247)].
ويقال أيضاً لو صّح فهو محمول على غير الفاتحة جمعاً بين الأدلة لاسيما وأدلة قراءة الفاتحة أقوى سنداً من هذا الحديث.
بقي الترجيح بين أدلة القول الأول والقول الثاني، والقولان لهما حظ من النظر لقوة أدلتهما إلا أن القول بالقول الأول أقوى من حيث الاستدلال لأنها أدلة صريحة أخرجت الفاتحة من عموم ما استدل به أصحاب القول الثاني والخاص مقدم على العام، ولذا على المأموم قراءة الفاتحة خلف الإمام ما استطاع في سكتات الإمام إن كانت له سكتات وغيرها، فإن عجز عن قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية خلف إمامه سقطت عنه لأن الواجبات تسقط بالعجز.
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله في الإجابة عن أدلة القول الثاني: ” نجيب عنها بأنها أدلة عامة، والأمر بقراءة الفاتحة أخص منها، وإذا كان أخص وجب تقديم الأخص… وأما قولهم: إنه لا فائدة من جهر الإمام إذا ألزمنا المأموم بالقراءة، فنقول: هذا قياس في مقابلة النص، والقياس في مقابلة النص مُطَّرح” [الممتع (3/ 302)] وهو قول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (6/ 348)].
ويستثنى مما سبق سقوط الفاتحة عن المأموم إذا أدرك إمامه راكعاً أو عند الركوع فإنه يركع مع إمامه وتسقط عنه الفاتحة؛ لحديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع معه قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:” زادك اله حرصاً ولا تعد” رواه البخاري، ووجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بقضاء تلك الركعة التي لم يقرأ فيها بالفاتحة فدل هذا على أنه معذور في هذا الموضع.
الفائدة الثانية: استدل بحديث أبي هريرة رضي الله عنه:” قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ…”من يقول بأن البسملة ليست آية من الفاتحة، وهو قول قراء المدينة والبصرة والشام وفقهائها، ومذهب أبي حنيفة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهي المذهب وهو اختيار ابن تيمية، وشيخنا ابن عثيمين.[ انظر بدائع الصنائع (1/ 203)، والمغني (2/ 151)، والإنصاف (2/ 48)، والفتاوى (23/ 421) والممتع (3/ 57)].
ووجه الدلالة: أن الحديث دليل على قسمة الصلاة وهي الفاتحة بين العبد وربه، وبدأ بأولها” الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ” مما يدل على أن البسملة ليست من الفاتحة، والفاتحة سبع آيات بالإجماع، كما ذكر ابن كثير وغيره [انظر تفسير ابن كثير (1/ 21) وفتح الباري (8/ 159)] ثلاث آيات في أولها ثناء ﴿ الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ وثلاث آيات في آخرها دعاء ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ ﴾ والسابعة متوسطة ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ وهذا أول أدلتهم وأقواها.
قال النووي رحمه الله:” واحتج القائلون بأن البسملة ليست من الفاتحة بهذا الحديث، وهو من أوضح ما احتجوا به، قالوا: لأن الفاتحة سبع آيات بالإجماع” [شرح النووي لمسلم (4/ 324)].
واستدلوا: بحديث أبي سعيد المعلى، وفيه:” ألم تقل لأعلمنك سورة هي أعظم سورة من القرآن؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: ﴿ الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته” رواه البخاري.
القول الثاني: أن البسملة آية من سورة الفاتحة، وهو قول قراء مكة، والكوفة وفقهائها، وبه قال الشافعي وأصحابه، وهو رواية عن الإمام أحمد. [انظر المجموع (3/ 333) والمغني (2/ 151)].
واستدلوا: (1) بقوله تعالى: ﴿ وَلَقَد آتَيناكَ سَبعًا مِنَ المَثاني وَالقُرآنَ العَظيمَ ﴾ [سورة الحجر: 87] قالوا والفاتحة لا تكون سبع آيات إلا إذا اعتبرنا البسملة آية منها، وتقدم الجواب عن هذا وأنها سبع من دون البسملة.
(2) حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” إذا قرأتم الفاتحة فاقرؤوا ﴿ بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ﴾ فإنها إحدى آياتها” رواه الدارقطني، ونوقش: بأنه لا يصح مرفوعاً، وإنما هو موقوف على أبي هريرة رضي الله عنه ، قال الدارقطني عن الموقوف:” وهو أشبهها بالصواب” [العلل (8/ 148)].
والراجح والله أعلم قول الجمهور القول الأول وأن البسملة ليست آية من الفاتحة، وإنما هي آية من سورة النمل ﴿ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانُ وَإِنَّهُ بِسمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ﴾ [سورة النمل: 30]، وهي آية فاصلة بين كل سورتين سوى سورة براءة. [انظر الإقناع وشرحه الكشاف (2/ 299-301) والتلخيص الحبير (1/ 420-426)].
الفائدة الثالثة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه فيه بيان عظم قدر الفاتحة وما تضمنته من معاني الحمد والثناء والتمجيد والتفويض لله رب العالمين، وفيها بيان عظم الميثاق بين العبد وربه في قوله تعالى: ﴿ إِيّاكَ نَعبُدُ وَإِيّاكَ نَستَعينُ ﴾ والثمرة الحاصلة لمن أتى بهذا الميثاق من إجابة السؤال، وفي الفاتحة معانٍ وأسرار مبسوطة في كتب التفسير لمن أراد التوسع فيها.
الفائدة الرابعة: في قول أبي هريرة رضي الله عنه ” فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْمَعْنَاكُمْ. وَمَا أَخْفَىٰ مِنَّا أَخْفَيْنَا مِنْكُمْ ” بيان لمشروعية الجهر بالقراءة والإسرار بها حسب المواطن الواردة في الجهر والإسرار.
قال النووي رحمه الله:” وقد أجمعت الأمة على الجهر بالقراءة في ركعتي الصبح والجمعة والأوليين من المغرب والعشاء، وعلى الإسرار في الظهر والعصر وثالثة المغرب، والأخريين من العشاء، واختلفوا في العيد والاستسقاء” [شرح مسلم (4/ 325)].
الفائدة الخامسة: قول أبي هريرة رضي الله عنه: ” إِنْ زِدْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ خَيْرٌ وَإِنِ انْتَهَيْتَ إِلَيْهَا أَجْزَأَتْ عَنْكَ” فيه دليل على استحباب السورة بعد الفاتحة، قال النووي:” وهذا مجمع عليه في الصبح والجمعة والأوليين من كل الصلوات وهو سنة عند جميع العلماء” [شرح مسلم (4/ 326)].